اتفاقية باريس وريادة الإمارات في العمل المُناخي
كان «اليوم العالمي للأرض» هذا العام في 22 أبريل، حدثاً تاريخياً حيث شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 170 دولة التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ في نيويورك، وهو رقم قياسي لأكبر عدد من البلدان توقع على اتفاق دولي في يوم واحد. تهدف اتفاقية باريس التي تم اعتمادها في ديسمبر 2015 في ختام مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، إلى إبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض دون درجتين مئويتين والوصول إلى درجة ونصف الدرجة فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، حيث يتوقع العلماء أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من درجتين سيتسبب في تغير المناخ بشكل لا يمكن السيطرة عليه نتيجة ظواهر مثل تقلص الغطاء الجليدي ما يعني قلة الإشعاعات الشمسية التي تنعكس إلى الفضاء، وذوبان الجليد الذي يتسبب في إطلاق كميات كبيرة من غاز الميثان، أحد أكثر الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، بل إن ارتفاع حرارة الأرض بأقل من درجتين له آثار وخيمة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثير ذلك على المناطق الساحلية المنخفضة والدول الجزرية مثل المالديف.
كان 2015 العام الذي تخطى فيه كوكب الأرض بعض العلامات الفارقة الأقل إيجابية من جهة تغير المناخ، فتخطت الزيادة في درجة حرارة الأرض حاجز درجة مئوية واحدة للمرة الأولى مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية، وبسبب الإجهاد الناتج عن ارتفاع حرارة مياه المحيطات، ازدادت ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم. وفي عام 2016، بدأ ذوبان الجليد في القطب الشمالي في شهر أبريل، بعد أن كان التاريخ المسجل سابقاً لبدء ذوبان الجليد مبكراً 5 مايو 2010. إذاً، ما الذي يجب علينا أن نقوم به للبقاء ضمن مستويات درجتين مئويتين؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة؟ ولإبقاء حد ارتفاع الحرارة دون درجتين، على دول العالم بلوغ ذروة انبعاثات غازات الدفيئة في أسرع وقت ممكن، ثم الانخفاض السريع للوصول إلى معدل الصفر من الانبعاثات في النصف الثاني من هذا القرن (ويتحقق هذا المعدل عندما يتم تعويض الانبعاثات بنفس المقدار على الأقل من الانبعاثات السلبية المعادلة). بعبارة أخرى: نحن بحاجة إلى فصل الكربون عن الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050. ولتحقيق هذا الهدف، يجب إبقاء 75% من احتياطات النفط والغاز العالمية الحالية في باطن الأرض، ما لم نتمكن من تطوير آليات لالتقاط الكربون وتخزينه على نطاق واسع.
بالنسبة لدولة الإمارات، علينا تنويع اقتصادنا بعيداً عن الاعتماد الزائد على النفط والغاز، وقد أعلنت قيادتنا الرشيدة هذا التحول، حيث حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي (رعاه الله)، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رؤية حكومة دولة الإمارات لمرحلة ما بعد النفط.
في مؤتمر باريس للمناخ، رسخت دولة الإمارات مكانتها العالمية الرائدة في مجال العمل المناخي، وأكدت على جهودها في تنويع اقتصادها من خلال الابتكار، وبناء اقتصاد قائم على المعرفة، وبناء القدرات في التقنيات المتقدمة، وتعزيز التعاون مع المجتمع الدولي، كما أعلنت الدولة مشاركتها في عدد من المبادرات العالمية مثل «مهمة الابتكار» التي تهدف إلى تسريع الابتكار في مجال الطاقة النظيفة و«التحالف العالمي لتحلية المياه النظيفة» الذي يسعى إلى توفير حلول تسهم في الحدّ من الانبعاثات الناتجة عن عمليات تحلية المياه، و«التحالف الدولي للطاقة الشمسية» الذي يهدف إلى تطوير ورفع كفاءة تقنيات الطاقة الشمسية.
وعلى المستوى المحلي، تنفذ الدولة خططاً لتنويع الاقتصاد وفصله عن الكربون. وفي يناير 2015، تم اعتماد آلية تطبيق استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء التي تهدف إلى خلق قيمة اقتصادية واجتماعية عبر كفاءة الموارد والاعتماد على التقنيات النظيفة، واعتمدت دولة الإمارات هدفاً لزيادة نسبة الطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة إلى 24% بحلول عام 2021 وتطمح لزيادتها إلى 30% بحلول عام 2030. وسيتم تحقيق ذلك من خلال مشروعات الطاقة النووية السلمية والطاقة المتجددة. وللمساهمة في تسريع تحقيق هذه الأهداف، غيرت حكومة الدولة مؤخراً مسمى وزارة البيئة والمياه إلى وزارة التغير المناخي والبيئة خلال عملية هيكلة الحكومة الاتحادية، كما تم تأسيس مجلس علماء الإمارات لمراجعة السياسة العليا في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار.
وفي إمارة أبوظبي، يتم تنفيذ العديد من المبادرات الكبرى لمواجهة تغير المناخ، وسيكون لمشاريع إنتاج الطاقة النووية والمتجددة التي يجري تنفيذها تأثير كبير في خفض انبعاثات جانب إنتاج الطاقة، كما سيساهم تطبيق برنامج «استدامة» لتعزيز استدامة المباني إضافة إلى تعديل تعرفة المياه والكهرباء، في تحقيق نتائج مهمة في مجال كفاءة جانب الطلب على الطاقة.
وتعمل شركة «مصدر»، بالشراكة مع مؤسسات حكومية وخاصة، على تنفيذ مشروع تجريبي لتحلية المياه بالطاقة المتجددة وتطوير تقنيات تتميز بكفاءة الطاقة والتنافسية من حيث التكلفة يمكن تطويرها على نطاق تجاري في دولة الإمارات. وتعمل «مصدر» كذلك على تطوير مشروعات على نطاق تجاري لالتقاط واستخدام وتخزين الكربون، كما تم البدء في تشغيل المرحلة الأولى من شبكة الاتحاد للقطارات التي ستساهم في تخفيض 60% من الانبعاثات الكربونية مقارنة بالنقل عن طريق الشاحنات.
وتدير هيئة البيئة-أبوظبي برنامجاً لدراسة المناخ، سيتم استخدام نتائجه في توفير المعلومات للسياسات الحكومية حول قضايا إدارة المياه، والتكيف مع النظم الإيكولوجية، وارتفاع مستويات سطح البحر، وحماية السواحل، وتحقيق الأمن الغذائي.
لقد بدأت أبوظبي ودولة الإمارات بشكل عام في تنفيذ خطط طموحة لخفض انبعاثات غازات الدفيئة. ومن خلال مشاركتي في حفل توقيع اتفاقية باريس بشأن المناخ، كان من الواضح أن على دول العالم أن تبذل مزيداً من الجهد وفي أسرع وقت إن أردنا عكس الاتجاه الحالي لزيادة الانبعاثات وارتفاع درجات الحرارة، كما كان من الواضح أيضاً أن هناك إرادة جماعية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك. ومن دواعي فخري أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتولى دوراً ريادياً في هذا المجال.